X

تناذر دوين

تناذر دوين

تناذر دوين (أو متلازمة دوين) هو اضطراب شائع نوعاً ما في الحركة الأفقية للعين ناجم عن خلل ولادي المنشأ في التحكم العصبي في هذه الحركة ولفهم هذا التناذر سوف نتحدث بشكل مختصر عن الحركة الأفقية للعين.

الحركة الأفقية للعين:

بخلاف الحركة العمودية التي تتم بواسطة 4 عضلات في كل عين فإن الحركة الأفقية أبسط وأسهل للفهم وتتم بواسطة عضلتين فقط في كل عين، العضلة المستقيمة الأنسية والتي تحرك العين للأنسي (أي لجهة الأنف) والعضلة المستقيمة الوحشية والتي تحرك العين للوحشي (أي لجهة الأذن) فإذا أراد الإنسان مثلاً النظر لجهة اليمين يجب أن تتقلص المستقيمة الوحشية وتسترخي المستقيمة الأنسية في العين اليمنى بينما يحدث العكس في العين اليسرى ويتحكم نظام عصبي دقيق في مقدار تقلص أو ارتخاء كل عضلة بحيث يتم النظر بشكل دقيق بكلا العينين معاً إلى الهدف المحدد المطلوب النظر إليه، والمراكز العصبية المسؤولة عن حركات العينين ترسل تنبيهاتها للعضلات لتحقق التقلص أو الارتخاء المطلوب عبر الأعصاب المحركة للعين وهي الأعصاب القحفية الثالث والرابع والسادس، وبالنسبة للعضلات الأفقية فإن المستقيمة الوحشية تتلقى التعصيب عبر العصب السادس والمستقيمة الأنسية عبر العصب الثالث.
ما يحدث في تناذر دوين ليس ضعفاً في العضلة (الأنسية أو الوحشية) ولا في العصب المحرك (الثالث أو السادس) وإنما خلل في توزيع التنبيهات العصبية فبدلاً من أن تتقلص إحدى العضلتين وتسترخي الأخرى يحدث أن تتقلصا معاً أو ترتخيا معاً وبالنتيجة سوف يكون هناك ثلاث أنماط لهذا التناذر بحسب الجهة التي يحدث فيها ضعف الحركة، فالنمط الأول من تناذر دوين تضعف فيه الحركة باتجاه الأذن والنمط الثاني منه تضعف الحركة باتجاه الأنف وفي النمط الثالث تضعف كلا الحركتين. إذا تناذر دوين يحدث خلال الحياة الجنينية دون معرفتنا بما يسببه مع وجود عامل وراثي في نسبة قليلة من الحالات، ولا يترافق عادة مع تشوهات أو أمراض خلقية أخرى ما عدا نسبة 5% من الحالات تترافق مع نقص سمع حسي.
ولكن لماذا يختلف تناذر دوين عن شلل العصب السادس
(بالنسبة للنمط الأول) أو عن شلل العصب الثالث (بالنسبة للنمط الثاني) طالما في الحالتين سوف تضعف حركة العين في الجهة التي يحركها العصب، في الحقيقة هناك فروق كثيرة بين تناذر دوين وشلل العضلات الأفقية أو الأعصاب المحركة ويجب على الطبيب أن يميز هذه الفروق والتي تكون أحياناً واضحة ولكنها قد تلتبس في بعض الأحيان وتحتاج للخبرة في تمييزها، والتمييز بين الحالتين ضروري جداً لأن العلاج مختلف.

  • • يكون ضعف الحركة في تناذر دوين شديد عادة بحيث أن العين بالكاد تصل للنظر الأمامي لكن مع ذلك فالحول بالنظر الأمامي يكون خفيف عادة وربما غير موجود أبداً، أما في شلل العصب فيكون الضعف في الحركة بحسب شدة الشلل أو الضعف في العصب (يتراوح بين خفيف إلى شديد جداً) ويجب حتماً أن يكون الحول واضح بالنظر الأمامي (إذا كان تحدد الحركة شديد فالحول يجب أن يكون شديد)
  • تناذر دوين ولادي دائماً (لكن أحياناً قد لا ينتبه له الأهل في الطفولة) ولا يتطلب فحوص عصبية أو بحث عن سبب له، بينما شلل العصب السادس نادراً ما يكون ولادياً ويحدث أكثر عند كبار السن والسكريين وغالباً ما نحتاج دراسة عصبية لتحديد سببه وعلاج هذا السبب إن أمكن، أما شلل العصب الثالث فقد يحدث بشكل ولادي أو بشكل مكتسب لكنه عادة لا يصيب المستقيمة الأنسية لوحدها لأن العصب الثالث يعصب أيضاً ثلاث من العضلات العمودية الأربعة المحركة للعين إضافة إلى العضلة الرافعة للجفن.
  • يميل تناذر دوين للثبات على مدى العمر ونادراً ما يبدي أي تغير، بينما شلل الأعصاب المحركة للعين قد يتحسن خلال الأشهر التالية لحدوث الشلل، وفي حال لم يتحسن فهو غالباً سيصبح أسوأ مع العمر (في حال عدم المعالجة) بسبب أن استمرار الشلل في العضلة سوف يؤدي مع الوقت إلى ازدياد قوة وشد العضلة المقابلة لها والتي لا يوجد ما يقاومها وسيزداد الحول مع مرور الشهور والسنين.
  • تترافق معظم حالات تناذر دوين بغؤور مقلة العين للداخل ويكون ذلك واضحاً في بعض الأحيان بالنظر الأمامي وفي أحيان أخرى لا يتضح إلا بالنظر باتجاه الأنف، وبسبب هذا الغؤور تبدو مقلة العين أصغر من العين الأخرى (في حال كانت الحالة وحيدة الجانب) أو تبدو فتحة العين أصغر من الأخرى (انسدال جفن كاذب ناجم عن غؤور المقلة).

إذا ماهي الصفات المشتركة للأنواع المختلفة لتناذر دوين:

1- منشأ ولادي (حتمي).
2- عادة لا يبدي أي تغير بعد السنة الأولى من العمر (معظم الحالات).
3- ضعف واضح في الحركة الأفقية بجهة الأذن أو بجهة الانف أو كلا الحركتين (معظم الحالات).
4- غؤور مقلة يزداد عند النظر بجهة الأنف (موجود في معظم الحالات لكن قد يكون خفيف جداً وصعب التمييز).
5- نادراً جداً ما يترافق تناذر دوين مع حول شديد بالنظر الأمامي فهو إما خفيف أو غير موجود.
6- في حال وجود حول فسيكون هناك وضعية رأس شاذة بتدوير الوجه بعكس جهة الحول (شبه حتمي)

النمط الأول من تناذر دوين

1- هو النمط الأكثر شيوعاً.
2- الأشيع أن يحدث في العين اليسرى فقط لكن قد يحدث في كلا العينين وأحياناً في العين اليمنى فقط ولكن ربما أكثر من النصف من عموم حالات تناذر دوين تكون من النمط الأول وفي العين اليسرى فقط.
3- عادة ما يشاهد ضعف شديد في حركة العين باتجاه الأذن وفي أغلب الحالات لا تستطيع العين تجاوز خط النظر الأمامي إلا بدرجة بسيطة جداً ويحدث توسع في فتحة الأجفان عند محاولة النظر باتجاه الأذن.
4- تتحرك العين بحرية باتجاه الأنف ولكن تترافق هذه الحركة مع تصغير (واضح غالباً) في فتحة الأجفان.
5- بالنظر الأمامي هناك احتمالين بالنسبة لوضعية العين:
* إما أن تكون العين مستقيمة ولا يوجد حول وفي هذه الحالة يكون الرأس أيضاً مستقيم ولا يوجد وضعية شاذة للرأس.
* أو تكون العين منحرفة للداخل باتجاه الأنف (حول أنسي) ولكن نادراً جداً ما يكون الحول شديد (الحالات التي يكون فيها الحول شديد عادة ما يكون فيها التناذر في كلا العينين)، ويترافق وجود الحول عادة مع وضعية رأس شاذة
6- عند النظر للأشياء في جهة العين المصابة تتحرك العين الأخرى بجهة الأنف وتبقى العين المصابة في المنتصف مما يعطي مظهر حول أنسي كبير الدرجة في العين السليمة وفي كثير من الأحيان هذا المظهر هو أكثر ما يلفت انتباه الأهل في عيون الطفل ويجعلهم يعتقدون أن المشكلة هي في العين السليمة.

النمط الثاني من تناذر دوين (أو تناذر دوين المعكوس)

1- تكون حركة العين باتجاه الأنف متحددة بشكل واضح وبالمقابل تتحرك العين بشكل طبيعي باتجاه الأذن.
2- أقل الأنماط شيوعاً وهو نادر المشاهدة نوعاً ما.
3- بالنظر الأمامي تكون العين منحرفة للخارج (حول وحشي) أو مستقيمة بدون حول بالنظر الأمامي

النمط الثالث من تناذر دوين

1- شائع نوعاً ما ولكنه أقل شيوعاً من النمط الأول.
2- يحدث ضعف في الحركة الأفقية للعين في كلا الاتجاهين وقد يكون ضعف الحركة واضح في جهة معينة وخفيف في الأخرى أو يكون واضح في الجهتين وقد يصل حتى غياب كامل لحركة العين الأفقية أي تكون العين ثابتة بوضعية أفقية معينة ويمكنها الحركة للأعلى والأسفل بحرية ولكن لا تتحرك مطلقاً لليمين واليسار.
3- بالنظر الأمامي قد تكون العين بوضعية صحيحة ولا يوجد حول أوقد تكون منحرفة باتجاه الأنف (حول أنسي) أو باتجاه الأذن (حول وحشي) وفي حال وجود الحول يترافق ذلك بوضعية رأس شاذة.
4- هناك ظاهرة شائعة في النمط الثالث من تناذر دوين وهي القفزة العمودية بالتقريب، وتعني أنه لدى محاولة النظر باتجاه العين الأخرى وبدلاً من تحرك العين باتجاه الأنف تنحرف العين للأعلى أو للأسفل.

العلاج الجراحي لتناذر دوين

للأسف لا يوجد معالجة يمكنها أن تعيد الحركة الأفقية الطبيعية للعين ولكن تهدف الجراحة إلى:
1- تصحيح الحول بالنظر الأمامي في حال وجوده.
2- تصحيح وضعية الرأس الشاذة في حال وجودها.
3- تصحيح غؤور المقلة او التقليل منه في حال كان واضحاً.
4- تصحيح القفزة العمودية بالتقريب (والتي تكون شائعة في النمط الثالث فقط من التناذر).
نستنتج إذا أنه في حال كان النظر للأمام طبيعياً ولا يوجد حول أو وضعية رأس شاذة ولا يوجد غؤور مقلة واضح أو فارق واضح في اتساع العين عن الأخرى ولا يوجد قفزة عمودية للعين عند النظر باتجاه الأنف، عند عدم وجود أي مما ذكر فلا يوجد ما يمكن عمله جراحياً لأن الجراحة لا تصحح الخلل العصبي الموجود. وعموماً فإن نسبة حوالي 30% من حالات تناذر دوين لا تحتاج التداخل الجراحي والنسبة الباقية قد تحتاج الجراحة ولكن لتحسين الوضع وليس للشفاء الكامل.

هناك العديد من الاعتبارات التي لا مجال لشرحها حالياً والتي تجعل من الجراحة في تناذر دوين مختلفة بشكل كبير عن جراحات الحول الأخرى ويجب أن يقوم بها فقط جراح الحول الخبير.

الدكتور سامر حجو